Feeds:
المقالات
التعليقات

Posts Tagged ‘محمد راكون،الفقه الاسلامى،حديث شريف،المغرب،الجزائر،نصر حامد ابو زيد،الجدل،العلم،التفكير العلمى،المنهج ال’

اخبار سيناء : وداعا محمد اركون

 
 
توفّي ليل الثلاثاء – الأربعاء في العاصمة الفرنسية باريس المفكّر الجزائري محمد أركون بعد معاناة كبيرة مع المرض. أركون مفكّر وباحث جزائري من مواليد عام 1928 في بلدة تاوريرت بمنطقة القبائل الأمازيغية بالجزائر، انتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء (ولاية عين تموشنت) حيث أتمّ دراسته الابتدائية. أكمل دراسته الثانوية في وهران، وتابع دراسته الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر ثم أتم علومه في ‘السوربون’ في باريس. حصل على شهادة الدكتوراه في الآداب ودرّس في جامعات عدة في أوروبا وأميركا والمغرب.ينتمي أركون إلى جيل ميشال فوكو وبيير بورديو وفرنسوا فوريه الذين أحدثوا نقلة نوعية إبتسمولوجية في الفكر الفرنسي. وبدوره أحدث ‘ثورة’ نصية مشابهة في الفكر الإسلامي والعربي وإن كان قليل التأثير في المفكرين العرب. قام بدراسات ألسنية وتاريخية وأنثروبولوجية وكان أول من مزج بين مناهج عدة طبّقها على التراث العربي الإسلامي. ومنهجيّته في تحليل التراث تشبه التحليل النفسي بالضبط، وتحاول تفكيك الأطر الغيبية التي تسيطر على الإنسان المسلم. وهي المناهج نفسها التي طبّقها علماء فرنسا على تراثهم اللاتيني المسيحي الأوروبي.

ظل أركون يسعى جاهداً إلى ترسيخ المنهجية التاريخية الحديثة في الفكر الإسلامي ويذهب إلى جوهر المشكلات لا إلى القشور، فتحدّث في ظاهرة الوحي بطريقة لم يجرؤ عليها أقرانه، وفي أمور لا مفكّر فيها في المجتمع الإسلامي، لأنه يرى أنها السبيل الوحيد لتحقيق الفهم العلمي للواقع التاريخي للمجتمعات الإسلامية. وهذا من شأنه إلغاء التعصبات المذهبية والعرقية كافة لاسيما بوضعها على محك الفهم العلمي.

يؤكد أركون أن المسلمين لم يمارسوا بعد تاريخ الأديان، لأنه غير موجود لديهم، ويشير إلى أن ما كتبه الشهرستاني وابن حزم عن الملل والنحل تخلى وأعرض عنه المسلمون، إذ ركّزوا كثيراً على ما ورد في تاريخ الإسلام أكثر مما ركزوا على ما ورد في القرآن نفسه. وقد كتب أركون واصفاً عمله ضمن ما أطلق عليه اسم ‘مجموعة باريس’ داخل الجماعة الأوسع للبحث الإسلامي – المسيحي: ‘حاولت أن أزحزح مسألة الوحي من أرضية الإيمان العقائدي ‘الأرثوذكسي’ والخطاب الطائفي التبجيلي الذي يستبعد ‘الآخرين’ من نعمة النجاة في الدار الآخرة لكي يحتكرها لجماعته فقط. حاولت أن أزحزح مسألة الوحي هذه من تلك الأرضية التقليدية المعروفة إلى أرضية التحليل الألسني والسيميائي الدلالي المرتبط هو أيضاً بممارسة جديدة لعلم التاريخ ودراسة التاريخ’.

بالطبع لا يمكن اختصار فكر أركون بمقالة عابرة، فهو صاحب مشروع فكري ‏نقدي تنويري من ضمن المشاريع التي تسعى إلى سبر أغوار العقل الإسلامي في بعده التاريخي والأنثروبولوجي. يرتكز على ‘العقل المنبعث’ العلمي لتجديد الفكر العربي ‏الإسلامي وقراءة التراث قراءة واعية تبعد عن الدغمائية والأيديولوجيا، فهو مشروع فكري يمكن مقارنته بمشروع الراحل محمد عابد الجابري في نقد العقل أو مشروع طه حسين في قراءة الأدب العربي أو مشروع عبدالله العروي في تفسير المفاهيم والأفكار. يمكن اعتبار مشروع أركون الفكري، نموذجاً للمشاريع الفكرية والمعرفية العميقة التي تحاول فك الصعوبات وكسر الأقفال المقدسة، فالمعرفة الصحيحة لا يمكن أن تنهض إلا على أنقاض المعرفة الخاطئة، كما كان يقول الفرنسي غاستون باشلار.

ترك أركون مكتبة واسعة من المؤلفات من بينها ‘نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي’، و’الفكر الأصولي واستحالة التأصيل نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي’، و’الإسلام – أوروبا – الغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمنة’، و’من فيصل التفرقة إلى فصل المقال… أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟’، و’الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية’ وغيرها.

يشار إلى أن الساحة العربية شهدت في العام الجاري رحيل عدد من رموز الفكر والأدب من بينهم: المفكّر المغربي محمد عابد الجابري والباحث المصري نصر حامد أبو زيد.

* نقلا عن الجريدة الكويتية
محمد أركون… غياب مفكر واستمرار الجدل

لن يخفت الجدل الذي أثاره المفكر الجزائري محمد أركون بآرائه وكتاباته، برحيله عن عالمنا، لا سيما أن أستاذ تاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون يعتبر أحد أبرز الباحثين في الدراسات الإسلامية المعاصرة، كما أنه تصدى لبعض المسلّمات والبديهيات في الأديان. كرّس الراحل فكره ونقده للنظريات المتأصلة في الدين، داعياً إلى المزج بين دراسة الأديان السماوية في علم واحد مشترك.

وداعا .. محمد أركون

وداعا .. محمد أركون

في مدينة باريس قطع أركون تذكرة رحلته إلى العالم الآخر، تاركاً دعوة للمشاركة في ندوة فكرية عن المفكر نصر حامد أبو زيد كان أبدى موافقته على المشاركة ضمن فعالياتها.

خاض الراحل معارك فكرية مع جهات ومؤسسات كثيرة، منحازاً إلى حوار العقل المعتمد على أسس وضوابط بحثية دقيقة، رافضاً المضي في سجالات فكرية لا طائل منها حسب وجهة نظره.

اشتهر أركون باعتناقه المنهج الألسني النقدي، محدداً ما يقصده بقراءة ودراسة القرآن الكريم بمعنى التحرر من القيود الإيمانية في التعامل مع ما جاء في الكتاب المقدس، وهو رأى أن القراءات الإيمانية تستند إلى مبادئ ومسلمات يصعب جعلها مادة للنقاش عند أفراد المجتمع كافة، مشيراً إلى أن هذا التعامل مع القرآن الكريم يرفض رفضاً قاطعاً التشكيك في محتواه، وفي هذا الإطار كان يدعو أركون المستشرقين إلى تفكيك البديهيات المؤسسة للتماسك لكل الإيمان، مطالباً بتطبيق نظريات فلسفية تهتم بتشريح المحتوى الديني بعيداً عن المتدثرين بعباءته والمتعصبين لمبادئه.

مرتكزات أساسية

تدور كتابات محمد أركون ودراساته في مجملها حول موضوع أساسي، وذلك بقصد تحقيق هدف إستراتيجي، وهو توجيه عامة المسلمين إلى الطرق المستحدثة في التفكير والاتصال بالتاريخ وتفهم ما يجري في المجتمعات المعاصرة، لكن للوصول إلى هذا الهدف يقول أركون إنه لا بد من تحقيق ثلاثة شروط دفعة واحدة وهي: أولاً زحزحة الإشكالية الإسلامية الخاصة بالقرآن من أجل التوصل إلى مقاربة أنثروبولوجية للأديان السماوية، أو ما يطلق عليها بأديان الوحي.

ثانياً: إجبار المفكرين اليهود والمسيحيين على القيام بالزحزحة نفسها، من أجل دمج المثال القرآني داخل بحث مشترك يتناول المكانة اللغوية والأنثروبولوجية للخطاب الديني المتضمن للوحي.

ثالثاً: تبيان الأضرار الفكرية والثقافية الناتجة عن الفكر العلماني والوضعي عند اختزال الظاهرة الدينية في مجرد صيغ عابرة وزائدة وباطلة.

دعا أركون إلى تطبيق ما أنتجته علوم الإنسان والاجتماع، أي التاريخ والألسنيات والفلسفة والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، بالإضافة إلى استخدام البنيوية والتفكيكية والنقدية لدراسة الإسلام كنص ودين وتاريخ وسياسة، وقد انتقد الطريقة التي استخدمها الغربيون في دراسة الإسلام، كما انتقد الطريقة التي عالج ويعالج بها المسلمون دينهم وتاريخهم وفكرهم.

قطيعة فكرية

التزم أركون هذا المبدأ رافعا لواء القطيعة المعرفية متمسكاً بالأنثروبولوجيا الدينية، داعياً إلى دمج دراسة أديان الوحي اليهودية والمسيحية والإسلام في علم واحد مشترك.

وفي كتابه ‘أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟’ يركز أركون نقده على العقل الإسلامي وإشكاليته التاريخية، فيستخدم منهجية تاريخية ‘أبستمولوجية’ أساسها تفكيك النصوص وتحليلها بعمق ووضعها في إطار اجتماعي تاريخي واسع يتم من خلاله التخلي عن المنهج السردي الوصفي والتوجه النقدي لكل الأساليب والمناهج والمقاربات السائدة في وصف الظاهرة الإسلامية، سواء ما كان سائداً منها عند العرب والمسلمين في غياب الحوار والعقلانية في التحليل، أو مما كان يحمله الاستشراق من مغالطات فادحة وخطيرة في آن، مضيفاً: ‘وبما أن الفكر الإسلامي قد عرف الحوار والمناظرة والإبداع في مراحل تاريخية سابقة، كما ورد في نصوص الغزالي وابن رشد، إذ يبرز التفوق العقلاني وحرية البحث والإبداع في إشكاليات متصلة بقضايا دينية حساسة، لذلك كان لا بد من العودة إلى الانفتاح الفكري والروح المعرفية التي ميّزت تلك المرحلة، المنطلقة من وجود إسلام صحيح أصيل يتطابق مع مفهوم الدين الحق، وانطلاقاً من هذا يفترض في الفكر الإسلامي المعاصر أن يدرك معنى ‘القطيعة المعرفية’ التي يعيشها ويتجه إلى الربط بين المعاني التاريخية في كل ما يطرحه ويعالجه من مشاكل دينية أو فلسفية أو ثقافية، لأن ثمة فارقاً بين المسلم المقلد والمسلم المتحرر من المعارف الخاطئة، والذي يترتب عليه أن يعي طبيعة القطيعة المعرفية في الفكر الإسلامي، وتخطي مشكلات تفسير النصوص المُنزَّلة وتأويلها وما يترتب عليها من طرق الاستنباط عند الفقهاء في وضع أحكام الشريعية.

السياج الدوغماتي

يدعو أركون إلى دراسة الأديان عبر التَّحليل ‘الأبستمولوجي’ مستفيداً من منهج ميشال فوكو ‘الحفري’ وذلك بالحفر في اللاهوتية الراسخة داخل السياج الدوغماتي المغلق لكل طائفة أو دين، ثم تفكيك ما هو مترسب في ذاكرة الوعي الجماعي عبر القرون. ويحلل أركون في كتاباته موضوع الاستخدام الأيديولوجي للدين من قبل الحركات الدينية، ويعتبر أن هذه الحركات هي سياسية ايديولوجية استخدمت مناهج الغرب وأفكاره من أجل نشر أفكارها وشعاراتها، مؤكداً أنه لا يمكن التصدي لهذه الحركات إلا بالزحزحة المشتركة بين الديانات السماوية.

خطر الأصولية

يتحدث أركون عن ظهور الحركات الإسلامية، ويعزوها إلى ظاهرة التزايد الديموغرافي والهجرة العامة لسكان الأرياف إلى المدن، مما زاد حدة الصراع على السلطة من قبل الأطراف وفي غياب قيم التسامح، كل هذا ساعد على نشوء التطرف والتشدد بطريقة لا مثيل لها أبداً في العالم. ويحذر أركون من خطر الأصولية، لأنها بحسب رأيه تعني تحول الخطاب الديني المفتوح إلى قانون واحد لا يقبل النقاش، وهذا النوع من الأصولية يولّد التّزمت في كل شيء، وهذه الظاهرة تنسحب على كل ديانات الوحي، ويؤكد أركون ‘عدم امتلاك الفكر الإسلامي المستنير الجهاز الفكري ولا الإمكانات العلمية، التي تراكمت في الغرب تحت اسم الحداثة ليتصدى للفكر الأصولي، كما أن الفكر النقدي الذي يمثله بعض المثقفين لا يمكن أن يقف في وجه الحركات الإسلامية، لأنها تستخدم الظاهرة الشعبوية، وهذا هو الوتر الحساس الذي يجيد الإسلاميون اللعب على أوتاره’.

ويقترح أركون حلاً لهذه الأمور ‘من خلال مشروع متكامل يقوم على رعاية العقل الفلسفي والعلمي للدين كما حصل في الغرب’.

من أقواله:

● يتحمل السياسيون مسؤولية مراوحة التنوير العربي مكانه مقتصراً على التنظير.

● لم يأل المثقفون والتربويون جهداً في البحث، إذ إن التنوير اكتسب اهتماماً في حقبتي الخمسينيات والستينيات.

● إن الأنظمة السياسية العربية الوليدة، التي نهج بعضها سياسة الحزب الوحيد، لم تعتمد على الإسلام كمرجعية لها في الحكم، بل اعتمدت على سياسة علمانية في ظل الصراع الذي كان قائماً بين الاتحاد السوفياتي من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، إذ مالت بعض الدول العربية جهة الشرق بينما اختارت أخرى الميول تجاه الغرب.

● يجب أن تبدل المواقف والآمال للوصول إلى المعطيات التي ستؤدي إلى انتعاش التفكير البناء والمحرر للعقل العربي والإسلامي.

● العقائد الدينية تطرح مشاكل جسيمة إذا لم نعتن بها فيصبح الدين فاشلاً.

● يتعين علينا دراسة قضية تهميش المرأة من الناحية الأنتروبولوجية وفق وسائل وأطروحات دقيقة متعلقة بالبنية النسائية للمجتمعات البدائية.

● التاريخ الذي يدرس في العالم العربي، هو تاريخ مخلوط بالميثولوجيا، ولا يعتمد المناهج العلمية في الروايات التاريخية، الاجتهاد الحقيقي يقوم على التعددية.

● المرأة ليست مهمشة في الوطن العربي وحسب بل عانت تهميش الرجل في العالم كافة.

● هدف التنوير الأسمى هو منح العقل البشري جميع الحمايات والأسباب التي تمكنه من أن يواصل المشوار.

● الإيمان الكاثوليكي مرتبط ارتباطاً منذ بدايته بما نتعلمه ونتلقاه من ممارسة ‘اللوغس’.

● المشكلة التي أصابت الفكر الإسلامي تعود إلى أن المفكرين القدماء أقدموا على دراسة العلوم العقلية مع العلوم الدينية، لذلك يقتضي عند دراسة الفكر الإسلامي أن نلجأ إلى تطبيق العلوم والمناهج الحديثة مع الابتعاد عن العقائدية الدوغماتية.

● في أوروبا عوامل تاريخية واجتماعية لم نجدها في الفكر الإسلامي جاءت ثمرة للفرق بين ما يقوله العقل الفلسفي والعقل الديني.

● النقد التاريخي الذي يطبقه عالم الفيلولوجيا -المستشرق- على التراث خطوة لابد منها، لكنه غير كافٍ، لذا ينبغي تعميقه عن طريق التحليل الأنتربولوجي من أجل إحداث التطابق بين المادة العلمية ومضامين التراث.

آراء ومواقف

التحليل السيميائي في نظر المفكر أركون يفرض على الباحث ممارسة تدريب من التقشف والنقاء العقلي والفكري لابد منه، بقوله: ‘يمثل فضيلة ثمينة جداً، لاسيما أن الأمر يتعلق هنا بقراءة نصوص محددة كانت قد ولِدت وشُكِّلت طوال أجيال عديدة، وحينئذ نتعلم كيف نقيم مسافة منهجية تجاه النصوص أو بيننا وبين النصوص ‘المقدسة’، من دون إطلاق أي حكم من أحكام اليتولوجية أو التاريخية التي تغلق باب التواصل مع المؤمنين فوراً’.

القراءة اليتولوجية والإيمانية لا تخدم القرآن ولا الفكر الإسلامي حسب أركون، مؤكداً ضرورة خدمة الفكر الديني بعناصر مستقلة تستند إلى أسس بحثية دقيقة.

ويؤكد أركون أن الأديب طه حسين اهتم كثيراً بالاستعادة النقدية للتراث الديني أو الثقافي أو كليهما، بينما لم يزحزح المناقشة من أرضيتها السابقة نحو دراسة تمهد للأطر الاجتماعية والثقافية السائدة.

ويرى أن دراسات المفكر نصر حامد أبوزيد تدل على مدى اتساع اللامفكر والمستحيل في التفكير فيه.

ويمتدح أركون كتاب جاكلين شابي بقوله: ‘كتابها يقدم المثال العملي المحسوس على إمكان تحقيق طفرة نوعية، إبستمائية وإبستمولوجية، في الكتابة التاريخية عن القرآن. إن المؤلفة ترسم حدودا لا يمكن اختراقها بين القانون المعياري لمهنة المؤرخ من جهة وبين مجال الفكر الإيماني والمعرفة الإيمانية من جهة أخرى’.

Read Full Post »